أبناء العتيــــــــق
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


منتدى اسلامي ثقافي تاريخي يهتم بنشر الأخلاق الحميدة و التربية المسجدية الصحيحة على منهاج أهل السنة و الجماعة
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوع
 

 العنف بين الدوافع النفسية و الحوامل الاجتماعية

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة





تاريخ التسجيل : 01/01/1970

العنف بين الدوافع النفسية و الحوامل الاجتماعية Empty
مُساهمةموضوع: العنف بين الدوافع النفسية و الحوامل الاجتماعية   العنف بين الدوافع النفسية و الحوامل الاجتماعية Emptyالأربعاء مايو 15, 2013 9:12 pm


العنف المدرسي نموذجا. نحو مقاربة سيكو_ سوسيوتربوية للظاهرة

د.احمد لعمش

مدخل
على
الرغم من تغلغل العنف في المجتمعات البشرية منذ نشأتها، وتعدد أنماطه و
اختلاف مستويات تمظهراته من واقع مجتمعي إلى أخر، و من سياق تاريخي
لآخر،حتى ان هناك من اعتبره سلوكا فطريا

في الإنسان، فان
رصده بل حتى مجرد الحديث عنه ظل محدودا في الثقافة العامة تحديدا،و في
المؤسسة التعليمية خاصة حتى عهد غير بعيد، ولاعتبارات بيداغوجية مؤداها أن
الحديث عن قصص و حكايات عنيفة بهدف نبذ العنف ذاته،هو اقرار له،و لو عن غير
قصد قياسا على كون تثبيت الخطأ من اجل تصحيحه هو إقرار للخطأ ذاته. لهذه
الاعتبارات ظلت المؤسسة التعليمة في منأى عن العنف لفظا و ممارسة .
و
لكن مع منتصف الثمانينات من القرن الماضي، بدأت الجرائد و الصحف تتحدث عن
حوادث و أفعال عنف مقرونة أحيانا بصور،و اخذ المجتمع يتعايش مع قصص و
روايات عن عنف يقع بالمدرسة هنا و هناك .و لكنه كان يصر دوما على اعتبارها
مجرد أحداث معزولة، بحيث لم يكن من المستساغ أن تتحول مؤسسة للتنشئة على
قيم التسامح والتضامن، و التآخي بين أفراد المجتمع الى فضاء لممارسات على
درجة كبيرة من العنف، لأسباب في الغالب غير مقبولة، و غير مفهومة حتى. و
لكن استفحال الظاهرة في العقدين الاخرين بشكل ملفت و مقلق،بات يسال الجميع
عن الاسباب و الدوافع و عن آفاق و سرعة تناميها.
فما الذي حدث؟ ما سر
هذا الانقلاب الفظيع على منظومة قيم لم يكن أحد يجرؤ على الاقتراب منها و
أحرى المساس بها؟ كيف استسلم المجتمع الى هذا التحول البشع و اصبح لا حول
له ولا قوة امام تيار طوفاني جارف لا يمكن التنبؤ بمخاطره، إن استمر الحال
على ما هو عليه، حتى بالنسبة لأكثر الملاحظين انغماسا في التفاؤل؟هل باتت
ارادة العنف أقوى من إرادة التسامح؟ لماذا يقف المجتمع مشدوها أمام تنامي
ظاهرة لا تبقي ولا تذر؟ هل يتعلق الأمر بانسحاب ارادي من المواجهة و الردع،
ام بتجاوز غير متحكم في إيقافه؟ ما هي الدوافع الكامنة وراء العنف البشري
عامة، و العنف المدرسي على وجه التحديد؟ و اخيرا هل المؤسسة التعليمية تنتج
العنف أم هي ضحية له؟
جملة من التساؤلات سنلتمس الاجابة عنها في هذه الورقة، و بلورة دور المدرسة التصحيحي لمؤشرات السلوكيات العنيفة لدى المتعلمين.
أولا :دلالات المفهوم.
بالرجوع
إلى مختلف المعاجم ،نجد مفهوم العنف ارتبط بالقوة و الإكراه ،ففي لسان
العرب لابن منظور ورد ما يلي : عنف :هو الخرق بالأمر، و قلة الرفق به و هو
ضد الرفق، فيقال عنف به ، و عنف عليه، و يعنف عنفا وعنافة ، اعنفه تعنيفا
رو هو عنيف إذا لم يكن رفيقا في أمره ، و يضيف اعنف الشيء، اخذه بشدة و في
الحديث الشريف :ان الله تعالى يعطي على الرفق مالا يعطي على العنف .
و
ورد في قاموس Le Robert ما يفيد نفس المعنى فالعنف، هو الضغط على شخصAgir
sur quelqu’un أو دفعه بقوة إلى اتخاذ موقف أومواقف ضدا على إرادته ، و ضدا
على تلك التي كان من المفترض أن يتخذها تلقائيا، و هي أ خيرا مرتبطة
بالإخضاع Ssoumettre quelqu’un بغية الإذلال و الهيمنة Ddomination.
ولا
يبتعد المفهوم كثيرا عن هذه التحديدات في أصله اللا تيني violence: vis
،حيث يشير إلى استعمال القوة دون الأخذ بعين الاعتبار لمشروعية استعمالها
،فحتى لو تم تبرير استعمالها ، من اجل تنفيذ حكم عادل قانونيا، فإنها لا
تخرج عن كونها عنفا .
وسار جل الفلاسفة في نفس المنحى ، حيث اعتبروا
العنف القوة المختلة déréglée التي تلحق اضرارا جسدية او نفسية بالفرد أو
الجماعة ، تؤدي إلى تقويض إنسانية الانسان بهدف السيطرة و الهيمنة ، و لذلك
كان العنف دوما متعارضا مع الاستعمال المشروع و المراقب للقوة انى كانت
الدواعي اليه.
ثانيا :أنواع العنف.
بالرغم
من كون العنف يحيل في كل المعاجم و الادبيات المهتمة الى نفس المضمون الذي
يشير إلى استعمال القوة و القصدية في إلحاق الأذى، فان الدراسات أفرزت
انواعا من العنف، بحسب اسبابه و نتائجه، و سياقات استعماله ، من أكثرها
شيوعا نذكر ما يلي :
1- العنف بين الاشخاص
: هو ابسط انواع العنف، و اكثرها شيوعا في المجتمع ، و ينبع من الرغبة في
الهيمنة او السيطرة باستعمال كل اشكال القوة جسمية كانت )الضرب،الجرح،
الاغتصاب... (أو نفسية) الاهانة، السخرية التحرش...( أو لفظية
)السب،الشتم،القدح..( سلوك يقصد منه حرمان الاخر من الاحساس بكرامته و
حريته .
2- عنف الدولة :violence
d’état تمارس الدولة حسب Max Weber بشكل ضمني أو علني ما يسميه بالعنف
المشروع Violence légitime من اجل تطبيق القانون، و إرساء الأمن العام ، و
ضمان السير العادي لمرافق الدولة في الظروف غير العادية، الطارئة كحالة
الحرب و الكوارث الطبيعية )الزلازل ، الفيضانات ، الحرائق وغيرها...(بحيث
تبيح لنفسها استعمال أقصى درجات العنف، بما في ذلك الإبادة الجماعية،
لمواجهة حركات العصيان و الاعتصام و ما سواها .
3- العنف الإجرامي
violence criminelle : الجريمة سواء كانت عفوية او منظمة، و مهما كانت
دوافعها فإنها لابد من ان يكون وقعها مؤثرا، سواء كانت ذات أبعاد سياسية،
أو اقتصادية، أو اجتماعية، أو نفسية. و في جميع الأحوال، فهي تمثل حسب بعض
المفكرين الوجه الاخر للعنف المادي.. او الرمزي، مادام الفعل الاجرامي
محكوما بحكم طبيعته بالقصدية ، حتى ولو بدا في ظاهره عفويا.
4- العنف السياسي:
انه نمط من العنف الذي يشكل قاسما مشتركا بين الدولة و النخب السياسية،
حيث يمارسه كل طرف انطلاقا من موقعه من جهة، و من الأهداف التي يعمل من اجل
تحقيقها من جهة أخرى. فبقدر ما تعتبر النخب السياسية الحركات الاحتجاجية
بكل أشكالها حتى العصيان المدني، مشروعة باعتبارها وسائل لتحقيق المشروع
المجتمعي الشامل، بقدر ما تعتبرها الدولة إخلالا بالأمن العام ، و تهديدا
للسلم و الاستقرار، و بالتالي يصبح التصدي لها باستعمال القوة امرا مشروعا،
بل و ملزما في اطار مسؤوليتها تجاه المواطنين، و من ثم نكون أمام دوامة من
العنف و العنف المضاد .
5- العنف الاقتصاديviolence économique:
يرتبط
هذا النوع من العنف، بممارسات حديثة في مجال التدبير الاقتصادي ، حيث
يرتكز على نوع من القبول الجماعي conseutement collect if لتعديل بعض
المعاهدات و الالتزامات ، أو حتى إلغائها في بعض الحالات من طرف رجال
القانون ، معللين ذلك بكون *القبول الجماعي*يعد أسلوبا ناجعا و حضاريا لفض
النزاعات قبل أن تعمق اعتمادا على الحوار .بدل المواجهة. و لكن هذه
المبررات لا تنزع عن هذه الممارسة طابعها العنيف، لذا ، فان المحاكم لا
تعتمدها إلا في حدود مالا يلحق اضرارا بأحد الأطراف، و هذا قل ما يحصل نظرا
لتباين المصالح و تعارض الأهداف. و هكذا أصدرت محكمة النقض بفرنسا في 3
ابريل سنة 2002 استنادا الى بعض فصول القانون المدني قرارا يعتبر
"الاستغلال المفرط لوضعية تبعية اقتصادية معينة، بهدف الاستفادة من حالة
تخوف مشروع لأفراد او جماعات من ازمة محتملة، يترتب عنه عنف يمكن ان يجرم
صاحبه " .
إن القبول الجماعي لتسوية نزاعات، في اطار توافقات و تفاهمات
على حساب الالتزامات و التعاقدات هو نوع من العنف، لكونها تسوية مشوبة
بالعيوب، وهو ما سماه هذا الباحث عيب القبول .*vice de conseutemet
و
لعل ما يؤكد صحة هذا الرأي هو ان عملية تحويل فائض الانتاج surproduction
الى فائض القيمة plus-value ،و ما ينتج عنه من تراكم للرأسمال الثابت و
المتحرك على حد سواء ، نتيجة الاختلال بين الاجر المؤدى عن قوة العمل، و
الأجر الفعلي الواجب تأديته، تمثل أقصى درجات العنف في الميدان الاقتصادي .
لذا فان القبول الجماعي، يبقى عاجزا عن تصحيح اختلال هذه المعادلة ، التي
بدونها لا يمكن ان تقوم للدورة الاقتصادية قائمة في ظل الواقع الاجتماعي
الكوني الراهن.
6- العنف الطبيعي:
شكل
اخر من أشكال العنف الخطير ، الذي تمارسه الطبيعة على الانسان بأقصى درجات
القوة والقسوة، من خلال الكوارث الطبيعية بمختلف ألوانها كالزلزال و
الفيضانات ، و الأمراض و الأوبئة و غيرها- حيث يعجز الإنسان عن منع وقوعها،
و حتى التنبؤ بحدوث بعضها رغم كل ما يملكه من الوسائل المتطورة. و لا شك
ان اشد أنواع العنف فداحة ، هو الذي تعرض له الانسان على امتداد تاريخ
وجوده من الطبيعة، من اجل التحكم فيها و إذلالها ، كما أذلته سابقا يوم كان
يقدم لها القرابين من اجل تجنب جبروتها و عنفها.
7- العنف الرمزي: violence symbolique
شكل
أخر من أشكال العنف الذي لا يمكن القفز عليه، خاصة حين يتعلق الأمر بموضوع
العنف المدرسي. فقد تحدث عنه بإسهاب Pierre bordieu و خاصة في ميدان
التربية و التعليم ، حيث اعتبر المضامين نفسها حاملة لعنف ممنهج، يعمل
بانتظام على تشكيل تمثلات الأفراد لدواتهم و للآخرين وفق التوجه الثابت
*إعادة الإنتاج la reproduction * الذي يتحكم في مسلكيات الوعي المجتمعي،
بما يضمن سيرورة مجتمع المصالح المتضاربة، مما جعله من الذين يعتبرون
التمرد و العصيان عنفا مشروعا، لاسترجاع الهوية المسلوبة قهرا و قصرا من
أصحابها .
8- و أخيرا ظل العنف ضد الاطفال و النساء
حاضرا بقوة عبر التاريخ الانساني تحت مبررات متعددة ،و لكن الهدف بقي
ثابتا هو الرغبة في الهيمنة و فرض توجهات صيغت مسبقا من اجل بناء ا لشخص،
لا وفق خصائصه الإنمائية المتعددة الأوجه، و لكن وفق النموذج المعد سلفا من
طرف المنتفعين من الثبات و الاستقرار. لذلك نجد الفكر الانساني منقسما على
نفسه بين رافض لهذا النمط من العنف و مؤيد له، و لكل تفسيراته و مبرراته.

ثالثا : الأنماط الثقافية للعنف
بعد
هذه الوقفة السريعة على انواع العنف الأكثر انتشارا في المجتمعات نتساءل ،
ماهي الأنماط الثقافية التي افرزت هذه الاشكال من العنف ؟ و بعبارة أخرى،
هل يمكننا فهم ظاهرة العنف بمعزل عن التمثلات الاجتماعية، و الانساق
الثقافية القائمة في المجتمع؟
إن أنماط العنف هي مجمعة من المعتقدات،
تفصح على نحو رمزي غالبا عن المواقف المتضمنة في الثقافة السائدة. انها
اكثر من اسطورة منفردة تروي قصة او حكاية معزولة هنا او هناك )ممدوح يوسف
عمران 2007. و انما هو سلوك نابع من المعتقدات التي تعكس مواقف و ممارسات و
سلوكيات داخل المجتمع، يتسم )هذا السلوك) في الغالب بالاذاية و إلحاق
الضرر بالغير، قد يكون مصدره الفرد أو الجماعة. فمن أسطورة البطل حتى كفاية
التحكم في التكنولوجيا المدمرة صناعيا و عسكريا و فلاحيا و معلوماتيا،
مرورا بنظرية العنف الفطري الطفو لي، وإلحاق أفدح الخسائر بالضحية، و بشاعة
الاستغلال وصراع التنافسية، وأكذوبة تفوق العقلانية على الخيال الإبداعي،
ووهم التمايز بين الجنسين الآري و السامي، و القوامة المدمرة ظلما لكينونة
الأنوثة ومؤهلاتها، و غيرها من الثنائيات، سواء في تجلياتها المادية أو
الرمزية )التدمير، التهميش، الإقصاء...) ، إن هي إلا أنماط من العنف تعبر
عن العلاقة بين الفرد و الجماعة بشكل ما، يكمن جوهرها في الاعتقاد بفطرية
العنف لدى الانسان. لذا تتطلب السيطرة على هؤلاء العنيفين وجود جماعة،
تشرعن العنف و تنظم استخدامه كآلية للضبط والسيطرة الاجتماعيين ، و بذلك لا
يصبح استخدام العنف جائزا فحسب ، و لكنه ضروري من اجل منع العنف.
وهكذا
تدرج الثقافة المجتمعية السائدة العنف الذي قد يتخذ أشكالا عدة، كالقتل و
التدمير و الاقصاء بمبررات مختلفة، كضرورة الحفاظ على الامن الثقافي، و
صيانة الهوية الجماعية الأصيلة ، و الحاجة إلى حماية المواطنين من أنفسهم .
إن
الهيمنة الثقافية المنظمة توظف مجموعة من الظواهر الاجتماعية و الممارسات
الصريحة والضمنية للسيطرة على السلوك الاجتماعي، و رسم معالمه في سياق
ثقافي معين، يتلقاه الفرد منذ المراحل الاولى لنشاته. لذلك اعتبر اركسون
عملية الفطام، الشكل الأول للعنف الذي يمارس على الطفل، بحيث يؤدي أحيانا
الى التشاؤم و القسوة، رغم كل ما يحيط به من طقوس تهدف الى التخفيف من
وطأته ."فإضافة إلى قد يراد فها من مواقف تعسفية عدوانية من قبل المحيطين
بالطفل، تعزز في نفسه عوامل الشعور بالإحباط نتيجة إحساسه بالاشمئزاز. وقد
.يرافقها أحيانا بعض الضرب لحمله (أي الطفل) على قبول الفطام رغم ما ينطوي
عليه من منع و حرمان" .
إن الفرد لا يكتشف العنف كسلوك او ممارسة تلقن
له في شكل دروس يتعلمها بالمدرسة في مراحل نشأته المبكرة، و لكنه يختبره
كتجربة حياتيه قاسية في اشد مراحل نموه حساسية. هكذا يبدو واضحا كيف توظف
السيطرة الاجتماعية المنظمة مجموعة من الظواهر الاجتماعية المنظمة، و
الممارسات الصريحة و الضمنية بهدف السيطرة على السلوك الاجتماعي في سياق
ثقافي معين، و هو ما يفضي الى الاستنتاج بكون أنماط العنف ليست في نهاية
الأمر سوى مجموعة من اشكال السيطرة الاجتماعية المادية منها و الرمزية
،المرئية والغير مرئية تجاه العنف، تعبر عن نفسها ضمن انماط من المعتقدات و
المواقف و التصرفات الثقافية داخل المجتمع ، فهل يعني هذا الاستنتاج ان
المجتمع هو المصدر الوحيد للعنف؟

رابعا: مصادر العنف
إن
الخلاصة النهائية التي قادنا اليها الحديث عن انماط العنف الثقافية، توحي
بكون هذا الاخير يرتد في المقام الاول من حيث المنشأ الى المجتمع، و لكن
دراسة الظاهرة من منطلقات نظرية و منهجية متنوعة، افادت ان المجتمع ليس
المصدر الوحيد للعنف ، بل قد يشكل الفرد نفسه مصدرا له، و من ثم يمكن
التمييز بين مصدرين رئيسيين هما:
- ا مصدر داخلي( نفسي)
مصدر خارجي (اجتماعي )
- فأما المصدر الداخلي
فيتجلى في كون العنف سلوكا بشريا محضا ، و من ثم فهو غريزة تقود الانسان
نحو ممارسته من اجل البقاء و الاستمرار، لذلك لا يمكن تفسيره إلا من داخل
الانسان نفسه، الذي يملك رغبة جامحة في التملك و السيطرة.
إن العنف من
منظور مدرسة التحليل النفسي –غريزة تقود الإنسان نحو المحاكاة
التملكيةMimésis d’appropriation - ففي كل حالة لا يرغب الفرد في موضوع ما،
إلا و يعترضه عنف رغبة الآخر في نفس الموضوع، مما "يجعل الرغبة و العنف
متلازمين. بل و يمكن على حد تعبير السوسيولوجية رحمة بورقية ، اعتبار العنف
هو دال الرغبة المطلقة " .
و لعل هذه الغريزة الجامحة نحو التملك و
السلطة، التي لا يمكن تحقيقها بمنأى عن العنف، هي الصورة التي يجسدها الأب
باعتباره مركزا للسلطة و القانون و الإعجاب في آن واحد ، و هي من أهم
مرتكزات الدراسة التحليلية، و الممارسات العلاجية في حقل التحليل النفسيla
psychanalyse ، حيث توجه )أي هذه الصورة) إدراكنا، و بالتالي تمثلاتنا
لمختلف رموز المعرفة و السلطة ، و النظام و القانون في المواقف الاجتماعية
والتربوية على حد سواء، و هذا ما يجعل فرويد Freud يعتبرها بفعل ما أدت
إليه من عنف شنيع) القتل ) نتيجة الشعور بالغيرة، و الرغبة في التملك
الانفرادي، الشرارة الأولى لانبثاق المشروع الثقافي الطوطمي، حيث يرمز
الطوطم المقدس إلى الأب الغائب، و بالتالي ظهور أول قانون من صلب الثقافة
الإنسانية يقوم على تحريم العلاقة الجنسية بين الأقارب ، باعتبارها "مثلث
أول مأدبة طوطمية قتل فيها الأب ، و التهمت أشلاؤه نتيجة إحساس كل واحد من
أفرادا لعشيرة بالرهبة من قوة الأب العنيفة و المخيفة رغم كونها مثيرة
للإعجاب" .
هكذا تؤكد مدرسة التحليل النفسي، ان العنف و ما يترتب عنه من
انسياب عارم نحو التملك و السيطرة، بهدف مقاومة مأساة الموت ، إنما هو احد
مكونات الشخصية التي تتشكل لدى الفرد في السنوات المبكرة من حياته) الخمس
سنوات الأولى) أي قبل أن يلج المدرسة.
إن هذا يؤكد صحة القول بكون العنف
– من حيث هو كذلك – يجب البحث عن تفسيره و فهمه من داخل الإنسان نفسه و
ليس من خارجه. فإذا لم يكن بالإمكان التأكيد على انه المصدر الوحيد، فان
حضوره و قوة تأثيره – ضمن المصادر الخارجية الأخرى- يبقى ثابتا و مؤكدا .
- و اما المصدر الخارجي، فيتجلى في تأثيرات المجتمع عبر مختلف مؤسسات التنشئة الاجتماعية.
إن
الشخصية البشرية لا تتوازن حين لا يكون الفرد في حالة من الاعتماد و
الاتحاد مع الآخرين، ذلك ان الكائن البشري هو كائن مثالي يخضع في نظرته الى
نفسه و الى محيطه لطبيعته الاجتماعية و القيمية، والعنف – مهما كان مستواه
– يؤدي بطبيعته إلى فقدان الانسان لهذا التوازن، لكونه يكون مرفوضا من طرف
الأخر، فيتولد لديه احساس جارف بالحاجة الى رفضه هو ايضا للأخر نتيجة
شعوره بالعزلة، و عدم الاندماج الفعلي في المجتمع ، مما يؤدي به إلى نوع من
الانفصام عن المجتمع و ثقافته .
فإذا كان من غير المؤكد - بحسب جل
الدراسات الميدانية- الربط العضوي بين فعل العنف و القصدية في ارتكاب
الجريمة لدى الشخص العادي، فانه في حالة اللاتوازن النفسي ، و التفكك
الاجتماعي، يصبح هذا الربط واردا إن لم يكن مؤكدا، و خاصة لدى العصابيين و
الذهانيين .
فقد كشفت إحدى الدراسات بفرنسا من خلال تحليلها لأجوبة
عينة عشوائية حول العلاقة بين العنف والجريمة، إن التخوفات التي تؤرق الناس
، هي غالبا من صنع وسائل الاعلام المكتوبة و المرئية، بحيث ان مواصفات
الاشخاص الذين يفترض الرأي العام انهم عنيفون أو مجرمون ، هم غالبا أناس
عاديون ، و تبقى بعض الأفعال التي يقومون بها معزولة، و لا يمكن تجريمها
رغم أعراضها العنيفة .
هكذا نلاحظ ان المجتمع يشكل احد مصادر العنف ،
سواء من خلال التمثلات التي يقرنها بأفعال معينة ، والتي غالبا ما يستند في
تشكيلها إلى الأحكام المسبقةles préjugés و الأنماط المقولبة stereotypes
فتنتج عنها "ردود أفعال غير منتظرة و غير عادية مصحوبة بحالة وجدانية
مؤلمة" - كما هو الشأن بالنسبة للمراهق - أو من خلال الإقصاء و التهميش
الذين يعمقان لدى الفرد الإحساس بالدونية، و عدم إنصافه من طرف المجتمع،
فيترجم ذلك الإحساس إلى ردود أفعال عنيفة ضد الآخر أحيانا ، و حتى ضد نفسه
أحيانا أخرى ، (كالتطرف أو الانتحار أو غيرهما، لذلك يرى طيب تزيني أن
الحاجة أصبحت تجاه هذا الواقع )يقصد الواقع العربي برمته) في بلاد
التشكيلات المتعددة، ملحة لإعادة النظر في تصوراتها و استراتيجيات تفكيرها،
و أنماط السلوكيات التي تلقنها، كي تمارس التأثير الفعال في توجيه المجتمع
عامة، و المؤسسة التعليمية خاصة، نحو تحقيق التنمية البشرية المستدامة و
إشاعة ثقافة التسامح و التضامن و التعاون بين متعلمي اليوم ، و رجال الغد
ونبذ كل أشكال العنف و الإقصاء .
إن دور المدرسة ما يزال شكليا و
متخلفا، و يدور في اتجاه افقي دون ان يمس العمق. ولن يتم تحقيق مثل هذه
الأهداف، إلا من خلال تفكيك هذه البنى الاجتماعية العتيقة، و تطوير طرق و
اساليب اشتغالها بما يتوافق وروح المجتمع الديمقراطي الحداثي .
إن العنف
لا يمكن ان يساعد على تحقيق اهداف التنمية البشرية المستدامة مهما كانت
طبيعته، و انى كان مصدره ، و أينما كان موطنه، لكون المنظومة القيمية و
السلوكية التي يشتغل عليها، تنعدم فيها مقومات البناء وقوانين الاستنهاض، و
مع ذلك نجد الباحثين و المهتمين بالموضوع منقسمين بين رافضين بشكل قطعي،
ومبررين حضوره في بعض المواقف و المواقع. فإذا كان اللجوء الى العنف مشروعا
في حالة الدفاع عن الوجود و الهوية مثلا ، فماهي مبررات استعمال الدولة
للعنف ضد الافراد او الجماعات؟
خامسا: مسوغات عنف الدولة ضد الفرد او الجماعة
ان
ارساء دولة الحق و القانون، و الامن و الرخاء لا يمكن ان يتحقق وفق بعض
الأطروحات إلا بإرغام المجموعات المستفيدة من الفوضى الاجتماعية على الخضوع
و الامتثال لإرادة الدولة، باعتبارها مستمدة من ارادة المجتمع، كما اعتبر
ماركس Marx العنف الثوري ممارسة مشروعة من اجل تحقيق *مجتمع المساواة
والعدالة الاجتماعية*. و لكن مارتن لوثر كينغ M.L.KING انتقد كل أشكال
العنف - بما في ذلك العنف الثوري- ووضع بدل ذلك اللاعنف La non violence
التي تعتمد بدورها على استعمال القوة، و لكن قوة العاطفة التي تفضي الى
اقناع الاخر (الرافض) بالانخراط (القبول) في مجتمع الايخاء و المحبة و
التضامن.
غير أن بعض الفلاسفة و المفكرين ذهبوا الى التأكيد على ان حتى
المجتمعات الاستهلاكية، التي يفترض فيها أنها مجتمعات الرخاء و الرفاهية،
فان ذلك الرخاء يؤدي الى انماط من العنف الرافض بفعل تحكمه و توجيهه
لاختيارات الإفراد، من خلال فرض نمط معين من العيش.ذلك ان هذه الاختيارات
لو كانت حرة و غير موجهة لما كان بالإمكان الحديث عن الرفض كتعبير عن رد
فعل عنيف ضد التحكم .
إن العنف الذي تمارسه الدولة داخل المجتمع - ضمن
سيادتها المطلقة - استنادا إلى مبررات، كالحاجة الى ضمان الامن و الاستقرار
الفردي و الجماعي- حسب هوبز و سبينوزا - هذا الأمن يصبح بلا معنى، بل
ومرفوضا. يقول المفكر الجزائري محمد اركون "حين تفشل الدولة في تحقيق
التنمية و التحديث و احترام الانسان و حقوقه و جعله يشعر انه مواطن فعلا لا
شكلا . أوليس العنف هو المصدر الرئيسي لإنتاج العنف المضاد؟ " .
يمكن للدولة ان تمارس نوعين من العنف تعتبرهما مشروعين و مبررين:عنف اقتصادي، وعنف سياسي.
-عنف اقتصادي: بمبررات تحقيق التنمية الاقتصادية الاجتماعية الشاملة.
-عنف سياسي : بمبررات حماية الامن و ضمان الاستقرار العام.
و
قد رأينا سابقا كيف ان العنف السياسي قد يصل إلى حد الإبادة الجماعية في
حالات التمرد و العصيان المدني.و الواقع أن هذه المسوغات غير مقنعة في
"مجملها" حتى و لو كانت واقعية ، فالعنف سلوك لا يتجزأ. اذ لا يمكن التعامل
معه بانتقائية، فنقبل بعضه (حين تكون الدولة مصدرا له) و نرفض بعضه حين
يكون الفرد او الجماعة مصدرا له) ، لأنه سلوك ينطوي على الاقرار بالقوة و
الضغط ، لما لم يتم إقراره بالإقناع و الحوار، فلا فرق في الجوهر و التأثير
بين ان يكون الفاعل فردا أو جماعة أو دولة.
إذا كانت هذه ي صورة العنف
في مختلف مجالات الحياة- و هي صورة سلبية بالتأكيد- فماذا عن هذه الظاهرة
في منظومتنا التربوية؟و ما المنتظر من المدرسة القيام به لمحاربة هذا
السلوك الدخيل عليها؟

سادسا-المدرسة:تحدي العنف و رهان ارساء السلوك المدني.
نظرا
للانتشار الواسع و السريع للعنف، و اختراقه لمختلف بنيات المجتمع و نظمه،
فان المؤسسة التعليمية بدورها نالت حظها، و ربما اكثر مما كان يفترض، بفعل
خصوصية وظيفتها المرنة في عملية التنشئة الاجتماعية مباشرة بعد الاسرة.
إن
من نتائج التطور التكنولوجي الكاسح لمناحي الحياة، و الانفجار المعلومياتي
الذي ما كان للمدرسة ان تبقي في منأى عن تأثيره ، ظهور ما يمكن أن نسميه
(العنف التحكمي)violence cybérnétique** الذي أصبح يوظف الفيديو، و
الانترنيت من اجل الحاق اضرار مادية، (اختراق الانظمة المعلوماتية المبرمجة
بهدف السطو على المعطيات أو إتلافها)، أو معنوية (التشهير و السخرية و
الإساءة المفتعلة إلى الغير لتصفية الحسابات) او رمزية (الشك و التخويف و
البلبلة...).
انه بتعبير المحلل السوسيولوجي العطري "انتقال من الواقعي
إلى الافتراضي "من خلال الارتكان الى اسلوب المجهولية بدل الوضوح و
الواقعية، مادام الموضوع او الشريط المبثوث عبر اليوتوب يعتبر عملا ممنوعا و
مرفوضا من قبل العقل الجمعي، بسبب فضائحيته القصوى، لذا يتم اعتماد
الاستعارة والمجهولية .
و قد تبين في فرنسا مثلا أن 7% من مجموع 50.000
شريط فيديو تم بثها خلال 2010 على اليوتوب تتضمن كلها بنسب متفاوتة من حيث
درجة حدتها، الإساءة و التشهير ، و أن هذه الظاهرة تتنامى بنسبة 57% وهذا
دليل قاطع على ما باتت تشكله هذه التقنية (اليوتوب) وغيرها من عنف على حياة
الأفراد والمجتمعات، خاصة حين يتعلق الأمر بتوضيب صور و نسج إشاعات مغرضة و
كاذبة، يتم نشرها على أوسع نطاق.
لسنا هنا بصدد إصدار أحكام قيمة تشكك
في ما لهذه الوسائل من اهمية في تحسين تيسير سبل التواصل بين افراد المجتمع
الإنساني، مما يحتم التعامل معها و الاستفادة من خدماتها، و لكن فقط لنوضح
جزء من العوامل المفسرة لتسلسل العنف الى مؤسسة كان يفترض ان تستعصي عليه.
فإلى
عهد غير بعيد، لم يكن الأمر يتجاوز الحديث عن الشغب او المشاكسة، و كان
اقصى ما يصل إليه هذا السلوك ، هو جلب الانتباه إلى شخصية يعتقد صاحبها
انها جديرة بالاهتمام، لانفرادها بخصائص التميز عن الآخرين ، دون أن يكون
موجها نحو اساءة ممنهجة للمدرس أو النظام المدرسي .إلا أن التحولات العنيفة
التي عرفتها بنيات المجتمع و منظومة قيمه، و ما نتج عنها من هزات و
تصدعات، حولت المشاكسة التي كانت اسلوبا لتكسير رتابة التلقين الممل ،
والانتقال إلى لحظات ترويح عن النفس إلى إذاية الآخر، بأقصى ما يمكن من
الآثار، يصل حد القتل أحيانا، بدء من أدنى الاسلاك التعليمية (السلك
الابتدائي) الى اعلاها (السلك الجامعي) مرورا بالسلكين الإعدادي و الثانوي
التاهيلي ، حتى بات تنظيم وقفات احتجاجية من طرف المدرسين و الآباء وجمعيات
المجتمع المدني ، تنديدا بتنامي العنف بالمؤسسات التعليمية سواء من داخلها
أو من خارجها ، أمرا مألوفا لدى كل متبع و مهتم بالشأن التربوي .
وهكذا
فانه لم يكن من باب الصدفة وحدها ان تختار وزارة التربية الوطنية شعار
الدخول التربوي 2008/2007 " الاسرة و المدرسة معا لترسيخ السلوك المدني" و
انما جاء ذلك بناء على نتائج التقرير الاول للمجلس الاعلى للتعليم الصادر
سنة 2007، و الذي اقر – من خلال نتائج التشخيص – مجموعة من الاختلالات التي
تعرفها المنظومة التربوية سواء على مستوى الممارسة الديداكتيكية، أو على
مستوى التصورات البيداغوجية و التربوية المؤطرة لها، او حتى على مستوى
الفضاء المدرسي الذي تنجز داخله العملية التربوية.
و كان من اهم ما اثار
التقرير الانتباه إليه ، تنامي العنف بجميع أشكاله بالمؤسسات التعليمية و
تأثيراته السلبية على نتائج التحصيل الدراسي، و التشويش على وظائف المدرسة،
في اشارة الى نتائج تقرير البنك الدولي و نتائج أعمال بعض الندوات
الوطنية. و قد اعتبر الغش الناتج عن هشاشة تعبئة المكتسبات ، و عقم المناهج
وعدم نجاعة عدة التقويم، من اخطر أشكال العنف المتفشية في المنظومة
التربوية، لكونه يخل بمبدأ تكافؤ الفرص، كأهم مرتكزات البناء السليم
للشخصية في عملية التنشئة الاجتماعية التي تقوم بها المدرسة
و قد اتسم
التقرير بقدر كبير من الاتزان في مقترحاته العملية ، رغم أن نتائج التشخيص
كانت صادمة ومقلقة، بحيث لم يقترح الزجر اسلوبا ناجعا لمحاربة السلوكيات
اللامدنية - باعتبارها اهم تجليات العنف المدرسي- كما تروج بعض الأطروحات -
من هنا و من هناك - إذ من شان ذلك ان يعمق الاحساس بالحاجة إلى العنف
المضاد، بل اقترح إحداث مراكز للاستماع و الارشاد و الدعم، مجهزة و مزودة
بأخصائيين نفسيين، ومساعدين اجتماعيين . و إرساء آليات للوساطة في الفضاء
المدرسي ، لحل النزاعات و تبديد التوترات، مع التشديد على نبذ العنف و
العنف المضاد في بناء العلاقات بين الاطراف و ترسيخ قيم التسامح و تثبيت
قيم الحرية و الرأي، و الحرية في الاختلاف ، و قبول الآخر و احترامه كما هو
لا كما نريد نحن أن يكون.فمع إيماننا الراسخ بقدرة المدرسة اكثر من سواها
من مؤسسات التنشئة الاجتماعية الاخرى على تصحيح السلوكيات اللامدنية، بما
في ذلك العنف المدرسي، فانه لابد من التأكيد في هذا المقام،على مسؤولية
المجتمع بكل مكوناته في تنمية السلوك المدني، و ترسيخ قيم التسامح ، و نبذ
العنف بكل مظاهره، و ذلك "لان السلوكيات اللامدنية التي نلاحظها في الوسط
المدرسي، تدل على ازمة قيم داخل المؤسسة المدرسية.فهي تترجم أزمة عميقة في
قلب المجتمع العام، وما عرفه من فقدان لبعض القيم الاساسية"
ان الفشل
الدراسي مثلا الذي يمثل احد عوامل العنف المدرسي، هو ذو منشأ خارجي عن
المدرسة حسب أندري لغال، و مع ذلك تتحمل المدرسة نتائجه و آثاره السلبية،
متحدثا عن سببين اساسيين للفشل الدراسي مصدرهما الاسرة و ليست المدرسة هما :
أ‌- العبث الذي يميز بعض التصرفات الاسرية.
ب‌- جهل الاباء و الاولياء بضرورة توجيه التربية وفق حاجات الطفل و ميولاته،
مما يحول مراقبتهم و حرصهم على مصالح الاطفال الى ممارسة عنيفة تتنوع بين
الاهانة و السخرية و الحرمان و العقاب البدني، بل تتحول أحيانا إلى سلوك
قريب من السادية .Comportement qui côtoie parfois le sadisme = رغم اقراره
بكون القسوة ليست دائما سلبية ، بل قد تكون ايجابية و مقبولة في حدود
المعقول=dans le raisonnable.
هكذا يرى أندري لغال André legall أن
العنف الذي تمارسه الأسرة على الطفل بما في ذلك القسوة من اجل ما تعتقده في
مصلحته، يؤدي مع بعض العوامل الأخرى إلى الفشل الدراسي، و من ثم إلى العنف
داخل المدرسة، كتعبير عن احتجاجه و رفضه لسلوكيات يعتقد أن فيها انسجاما و
توافقا تاما بين المؤسستين (الأسرة و المدرسة) ، تتوخيان استهدافه، لذلك
اعتبر لغال المدرسين شركاء مع الأسرة في دفع التلميذ نحو الفشل الدراسي من
خلال السلطوية المهنيةautorité humiliante ، نتيجة تصوراتهم اللاشعورية عن
مهنتهم التي يعتبرونها فوق المراقبة و المساءلة . و هكذا خلص الى كون العنف
الاسري يغذيه العنف المدرسي، ليفضي الى عنف مضاد يندد بواسطة الطفل
بإيصاله الى الفشل
و قد تناولت الدكتورة اسية اقصبي الموضوع نفسه
بإسهاب في مشاركتها بأعمال ندوة البحث التربوي في المغرب، مركزة بالأساس
على العلاقة التربوية بين المعلم و المتعلم، و في مختلف العمليات والأنشطة
التربوية يرسخ لديه التصور المتمركز حول الذات و المضمون، و هو مالا يتوافق
مع ميول التلميذ و خصوصياته.
الخلاصة:
لقد
تبين عبر مختلف المحطات التي تناولنا من خلالها العنف، ان هناك حاجة ملحة -
كما يرى الفيلسوف جاك دريدا- الى اعادة النظر في منظومة القيم التي عمرت
ردحا طويلا و نقدها. فالنقد و لو في شكله البسيط ، هو دائما ضروري، بحيث
يشكل قانون الصرامة في حالة الطوارئ الاخلاقية و الازمات الاقتصادية و
السياسية- حتى و لو كان التشكيل الأفضل، و الأنسب للصرامة قابلا للنقاش، و
لربما للمراجعة الشاملة- فالانقلاب ضد القيم الكلاسيكية التي شرعت العنف و
شرعتنه، لا مفر منه .مهما كانت الحسابات والتخوفات.
فالعنف تحدي لابد
للمدرسة من التصدي له، و إ رساء السلوك المدني رهان لابد من ربحه.و بما انه
(العنف) عدو المجتمع برمته، فانه لابد - كما جاء في توصية تقرير المجلس
الاعلى للتعليم- من فتح نقاش وطني هادئ و عميق حول اطار تربوي تعاقدي
للسلوك المدني، في ارتباط مع القوانين الداخلية للمؤسسات التربوية من جهة، و
المنظومة التشريعية العامة من جهة أخرى، من اجل صياغة قواعد السلوك المدني
الواجب إرساؤه بمؤسساتنا التربوية، و تحديد الإجراءات الكفيلة بالتصدي لكل
المظاهر المنافية له، و على رأسها العنف الذي يتنامى بشكل ملفت و مقلق عبر
مظاهر مشينة كالغش، و الإخلال بالواجب ، و سوء المعاملة، و تقديم القوة
على الحوار اسلوبا لتدبير الخلاف، و تحقيق المكاسب.فبالرغم من كون المدرسة
هي صاحبة الشأن في التصدي لظاهرة العنف المدرسي، فإن المعركة هي معركة
المجتمع بأكمله، مادام العنف المدرسي ينحدر من المجتمع، و يعيش على اختلالا
ته.

بعض المراجع المعتمدة

- ابن منظور: لسان العرب- دار صاد .بيروت ج 9: 1990
- ربيع مبارك:عواطف الطفل – الشركة المغربية للطباعة و النشر 1991
- احمد اوزي:المراهق و العلاقات المدرسية مطبعة النجاح 2000
- إدريس الكتاني : ظاهرة ظاهرة انحراف الاحاث – دراسات اجتماعية مغربية 1976
- ملخص تقرير المجلس الأعلى للتعليم: الرباط 2007
- اعمال ندوة البحث التربوي في المغرب :كلية علوم التربية 1982
- عالم المعرفة : عدد 337 –مارس 2007
- مجلة الفكر العربي المعاصر : عدد 27/28 1983
- عالم الفكر - المجلد العاشر العدد 8/9 1981
- ندوة الأصول الإسلامية لحقوق الإنسان: باريس 1989
- مجلة علوم التربية عدد -35- اكتوبر 2007
- مجلة علوم التربية عدد- 51- مارس 2012
- André Legall : "la violence scolaire " . col que sais-je/édit :pauf-paris 1963
- André Legall : "la violence économique" –université de L’ile France
- Jean baudrillard : "La société de consommation " /édit : Denoël 1970
- Freud(s) :" Totem et Tabou" P B Payot 1980
- Hugues (J):" La perception de la violence " Revue Française de sociologie .volume 25
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
العنف بين الدوافع النفسية و الحوامل الاجتماعية
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» كل ما يجب أن تعرفه عن الخدمات الاجتماعية
» الضوابط العامة في تسيير اموال الخدمات الاجتماعية
»  أساليب المعاملة الوالدية في عملية التنشئة الاجتماعية للأطفال

صلاحيات هذا المنتدى:تستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
أبناء العتيــــــــق :: المنظومة التربوية :: نظريات تربوية-
إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوعانتقل الى: