إن الكلمات ترجمان الروح ومصفاة القلب وعصارة العقل .. ولعل القدرة على الكلام من أعظم النعم التي وهبها الله للإنسان .. فاستطاع بجملة وأحدة أن يعبر عما يجول في عقلك ووجدانك للطرف الأخر ، ولماكان الكلام طبيعة للبشرية ، كان لزاما علينا أن نحسن في القول وأن نلطف في الحديث وان نلين بالكلام .
والكلمة هي نتاج مركب عما يدور في مشاعرنا ويستثير فضولنا ، وقد تكون الكلمة الحد الفاصل في كثير من الأمور الحياتية ، فهي الجواب الحاسم والقول القاطع ، فبكلمة وأحدة قد تهدم الحياة أو تعمرها وبكلمة وأحدة قد تخسر الزبائن أو تكسبهم وبكلمة واحدة تستطيع قبول الصواب ورفض الخطأ وبكلمة وأحدة قد تعفو عن إساءة أو هفوة ، وبكلمة لينة لطيفة تستطيع أن تداوي مجروحا لذا يقول أحد الحكماء ( إن القلوب مزارع فازرع فيها الكلمة الطيبة فان لم تتمتع بثمها تمتع بخضرتها )
إن المنهج الاسلامي حث على الرفق في المعاملة والسلوك والخطاب لأنه بمجملة يؤثر على الجانب النفسي والشعوري والسلوكي ويحرك الدوافع أن الكلام الطيب الناتج عن صفاء النفس وبياض السريرة يطبع في الطرف الأخر أثرا طيبا وصورة حسنه من شأنها أن تشعر الفرد بأهميته الكبرى وقيمته السامية ، والكلمة السئية الجارحة على النفس مثل وخز الشوك للقدم فكليهما مؤلم . تعجبني مقوله مدير سجن سينغ سينغ عندما قال ( إذا كنت تتعامل مع مجرم هناك طريقة واحدة ممكنة لاستخراج أفضل ما بداخلة عاملة وكأنه سيد شريف واعتبره بمستوى ذلك لأنه سيزهو بمثل هذه المعاملة ويستجيب لها ويفخر بان هناك من يثق به ) واللين في الحديث يوجب المحبة ويزرع المودة والألفة ، ويخلق جوا وجدانيا من السماحة والتراضي ويكشف عن عقلية واعية في أساليب الاتصال والعلاقات سواء كان في تحليل المشاكل أو إسداء النصح أو التعمق في مبدأ الحوار او غيره ، كما انه يعزز العمل التفاعلي المشترك . أن اللين في الكلام من شأنه أن يصلح النفس ويهذب السلوك ويضخ في الحياة التجدد والحيوية وهو أسلوب راقي من أساليب الاتصال التي تساهم في المحافظة على علاقاتك ومهماتك ، ومن أدرك قيمة مبدأ اللين والرفق فقد أدرك فن التعامل مع الآخر .
فما الذي يدفعنا نحو الإساءة للآخرين في حديثنا ؟ !
بعض الناس يحول غضبة أو انفعالاته المكبوته الى قنبلة في وجه الأخر او حمما ملتهبة ، تحرق القلوب وتخنق النفوي والبعض الأخر يسيء في كلامه لفظا ومعنى ، والكثير منا لا يحاول التجاوز عن الاساءة ولو كانت طفيفة ، فلنتأمل معا ما قال الإمام الطوسي عندما وصلته رسالة تكتظ بالشتائم والسباب والالفاظ البذيئة ومن ضمنها وصفه بالكلب فرد الإمام نصير الطوسيء بقلب المتجاوز عن الإساءة وبلسان يحمل الكثير من القدرة على الهندسية الكلامية وبروح الفكاهة والدعابة التي من شأنها أن تخفف من حدة الموقف فرد الإمام قائلا : ( إنني لست وذلك لان الكلب يمشي على أربع ولايستطيع التكلم والكتابة ! وله مخالب وهو يعوي أما أنا فامشي على رجلين وأستطيع ان أتكلم واكتب وليست لي مخالب ، بل لي أظافر حسنه ولا اعوي ) ولا ادل من ذلك مخاطبه الله لرسوله عليه وسلم عندما قال : ( ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك )
فها هو التوجيه الإلهي يأمر باللطف واللين فلا غلظة ، ولا فظاظة ، بل لين حكيم ياسر القلب والوجدان معا ..
همسة :
( إذا أحسنت القول فأحسن الفعل ليجتمع معك مزية اللسان وثمرة الإحسان )
